حسين غرير ” من المنفى “

” اتذكر تفاصيل النقاش الذي دار بيني وبين حسين في الشهر العاشر من عام 2014 تحدثنا كثيراً عن ” آني ” وعن تفاصيل الفلسفة التي يشرح من خلالها وسردها ونمطيتها لست منظراً لأحدد القيمة الجوهرية لما دار من الحديث فانا أعتبره احد النعم التي أستطعت كسبها في السجن وخاصة بوجودي مع ” حسين ” إلا أن أخذت على نفسي وعداً بأن أسمي أحد أولادي ” آني ” ………… ”
——————————————————————–
حسين يتحدث عن الفلسفة وعلاقته بالوجود ولا ينسى طبعا رغم أن المقالة فلسفية، أن تتغلل عاطفته في حب فتاته ميس و تربية وملامسة أولاه ورد وزين وعنايته بأبويه.

من كتابات حسين في المعتقل
12-12-2014
استكشافني

كُتب هذا النص باللغة الإنكليزية أولاً

من هي آني؟

كان لدي خمس دقائق قبل درس اللغة الإنكليزية، شغلت التلفزيون؛ كانت قناة فوكس موفيز تعرض فيلم ” مذكرات مربية الأطفال”، الذي قد شاهدته قبل بضع سنوات. آني – الشخصة الرئيسية- فتاة حديثة التخرج من الجامعة تبحث عن عمل، سُئِلت في إحدى مقابلات العمل “من هي آني؟” ردت آني وابتسامة تعلو وجهها ” هذا سؤال بسيط !” وتابعت ” أنااا.اا..” ثم شعرت بالضياع وهممت بتردد ” آني هـ..ي..!”؛ ثم شعرت آني بالدهشة وغادرت المكتب فجأة.

في الصف، وضعت جابناً ما

كنت قد حضرته للدرس، وكتب على اللوح قديم الطراز “من أنا؟” وطلبت من طلابي الإجابة على هذا السؤال.

إنّ أنا أنا

لا أعرف بشكل حقيقي من أنا كما أنا. بالرغم من أنني أستطيع أن أقول الكثير عني، لكنه سوف يكون أقل مما أعرفه عني … إن هاتين الفجوتين – بيني وبين ما أعرفه عني وبين ما أعرفه عني وبين ما أستطيع أن أقوله عني – ناتجتان عن طبيعة المعرفة والمعرفة، بمعنى المعلومات والحقائق، وطبيعة العقل واللغة.

بكل الأحوال، ما يمكن أن أقوله: ماذا أحب، وماذا أكره، وكيف وأين نشأت، وماذا أعمل، وما الأفكار والمعتقدات مني، وبعض صفات شخصيتي وطبعا المعلومات الاساسية عني.

أن ما سردته أعلاه مهم بالنسبة لي، لكنه قد يصبح غير ذي صلة من وجهة نظر الآخرين. لأنني من الممكن أن أقول ما أعتبره جيداً فقط، أو يمكن أن أخفي العديد من الأمور أو حتى أكذب. وبالتالي فإنهم غالباً ما يهمتون بسلوكي فقط.

وعليه، ما الذي يمكن أن يكون مهماً من كافة وجهات النظر عند محاولة الإجابة على السؤال “من أنا؟” ؟ أعتقد أن هناك سؤالان فرعيان، “كيف استكشفني؟” و”كيف أعلم أن هذا السؤال قد تمت الإجابة عليه؟”
قطعة خشب في محيط

دعوني أولاً أخبركم بأفضل إجابة حصلت عليها في الدرس، قال شاهر: أنا كقطعة خشب في محيط. كان شاهر يشعر بالضياع! . كانت هذه الإجابة الأفضل لأن شاهر كان الوحيد تقريباً من بين الطلاب الذي فهم السؤال، ولم يدعي أنه إنسان الذي آخر غير هو عليه. قلت لشاهر: لماذا لا تكون مثل سفينة في محيط؟ وبالتالي وبالرغم من الأمواج الصغيرة، أو الأمواج الضخمة أو حتى الأعاصير، ستسطيع التحكم بعض الشيء بالسفينة وتكون قادراً على إعادة توجيهها.

لاحقاً، في الليل، فكرت بالسفينة والمحيط. ينص الافتراض على أن الحياة مثل المحيط. لكن، هل أنا السفينة أم الربان الذي يتحكم بالسفينة؟ آه مرة اخرى، ثنائية ديكارت! لم ترضيني يوماً.

حسناً، قد أكون السفينة بما فيها الربان، أو بكلمة أخرى، سفينةٌ ذاتيةٌ ومحدودة، بالمقابل أنا لا نهائي ومفتوح الحدود : وبالتالي، هل أنا مثل محيط مفتوح وواسع بشكل هائل ؟ وهل السفينة مثل الأفعال التفاعلية والإرادية مني.

كنت قد ذكرت أعلاه، أن الحياة مثل المحيط، والآن أقول أنني مثل المحيط ! قد يبدو هذا غامضاً. لكن، هل من الممكن أن أستكشفني دون استكشاف الحياة أو العالم والعكس بالعكس بنفس الوقت؟

لمحة عن المعرفة*

عنما أستكشفني، أفترض أنني سوف أعرفني أكثر. لكنه يجب أن يكون واضحاُ أن ما أحصل عليه باعتباره نتيجة، ليست المعرفة العلمية التي تعني المعلومات والحقائق؛ إن ما أحصل عليه هو المعرفة. أستطيع أن أميز بين مظهرين للمعرفة، المعرفة المحددة والمعرفة المستمرة.

إن المعرفة المحددة تتحصل بوساطة العمليات العقلية، مثل الإدراك والفهم والمقارنة والتحليل والتذكر وما إلى ذلك. الفاعل هو الحواس والعقل مني. مظهر المعرفة هذا يُنتِج معلومات وحقائق محددة ومُعّرفَة بشكل جيد : المعرفة العلمية.

والمعرفة المستمرة تتحصل بوساطة ممارسة الحياة والتجربة المعيشة؛ كما هو الحال عندما أقول: لا أعلم، أنا فقط عرفت ذلك، لدى سؤال أحدهم لي: كيف عرفت هذا ؟

الفاعل هو أنا بكلّيتي. مظهر المعرفة هذا يُنتِج كلّية أو سياقاً أو مجرد انطباعٍ، بحسب الحالة.

إن المعرفة المحددة أكثر تخصيصاً، وأكثر دقةً، وأكثر موضوعيةً وغالباً ما يمكن برهانها عقلياً. إنها مثل النقط (أصغر وحدة في شاشة الحاسوب) في الصورة الرقمية. إنها محدودة، ومغلقة، ومليئة بالفجوات ولا تُرضي توقفنا لأن نعرف. ومن جهة أخرى، إن المعرفة المستمرة ذاتية أكثر، وغامضة، وغير قادرة على إقناع العقل، ومُشوّشة، وغير مؤكدة، ويمكن أن تكون غير صحيحة حتى، إنها مثل محتوى الصورة الرقمية الذي يمكن أن يدل على فكرة ما، أو ربما تتضمن العديد من طبقات المعاني. إنها مفتوحة، ولا نهائية، ومعبرة ومستمرة.

إنها ليست علاقة ‘أما – أو’ بين مظهري المعرفة، إنها ليست ثنائية معرفية. لا نستطيع أن نفترض أن المعرفة المحددة تناسب هذا، والمعرفة المستمرة تناسب ذاك. فنحن نحتاج لأن نسعى إلى كلا المظهرين بشكل متزامن لدى سعينا لأن نعرف شيئاً ما أو أن نكون إبداعيين في عمل شيء ما. إن ثنائية عقل/جسم، أو أي ثنائية تقول أن لكل شيء جزآن منفصلان أو متعارضان، لم تعد مُرْضية، يجب على الأنا بكلّيتها الانغماس في تحصيل المعرفة. فمن المستحيل تحصيلها بوساطة مظهر واحد من الأنا؛ العقل مثلا.

كيف أستشكفني ؟

أنا بحاجة لتحصيل قدر المستطاع من المعلومات والحقائق عن الوجود الفيزيائي مني، والوجود الاجتماعي مني، والحياة الداخلية والأنشطة العقلية مني، التي لا تنفصل عن العالم بأي معنى . إن العلوم التجريبية والمنطق هو المصادر الصحيحة لهذه المعرفة المحددة. بهذا الشكل، أتأكد من أني لا أبحر بدون الأدوات الضرورية والموثوقة.

يمكن أن أمتلك كل الأدوات، لكنها سوف غير ذات فائدة وبلا معنى وبدون سياق، السياق مني، والذي هو جزء من سياق العالم. عليّ أن أنغمس بي وبالحياة لأجد السياق مني. وبكلمة أخرى أحتاج لاستكشاف كل المسارات الممكنة للحياة، وأن أمارس أوجهاً أكثر من الحياة، وأن أعيش المزيد من التجارب، وان أتواصل أكثر مع الناس من مختلف الأعمار والأصناف، وأن أراقب كل شيء بعناية، و أن أتاملني وأتأمل الحياة. هكذا، أتأكد من أني لا أفقد الاتصال معي أثناء الإبحار.
وبلغة الحياة الواقعية: كيف يمكن أن أعلم أنني أجدني في الفيزياء أو الفلسفة أو الموسيقى إن لم أمارسها؟ كما أنني سوف أشعر بجمال زهرة او ابتسامة أكثر عندما أرسمها، أمارسها. وسوف أعرف أكثر عني وعن الحياة، عندما أربي صغاري، وأتواصل معهم، وأعتني بوالدي، وأحب فتاتي، وأساعد المعوقين، وأتواصل مع الناس وأتجرأ على خوض المغامرات: التجربة المعيشة.

كيف أعلم أن السؤال قد تمت الإجابة عليه؟

إن كانت المعرفة العلمية ناتجة عن المعرفة المحددة، والكلّية أو السياق ناتج عن المعرفة المستمرة، ماذا ينتج عن تحصيل كليهما؟ ينتج اتساق وتكامل وانسجام. تماما! هذا هو جواب السؤال الفرعي الثاني. فكلما اختبرت الاتساق والانسجام الداخلي. وكلما تكاملت وانسجمت مع الحياة ومع العالم, كلما عرفتني أكثر.

أؤمن أنني لن أعرفني أبداً، ولكني وبشكل دائم سوف أعرفني أكثر وأسعى إلى الاتساق والتكامل والانسجام.

ملاحظة: ربما لاحظتم أنني لم أستخدم “نفسي” أو “عقلي” أو أي صيغة تتعلق بـ ياء المتكلم لكي أعّرف المظاهر مني. فالعقل، والأفكار، والجسم، الخ ليسوا خارجين عني، وعليه لا يمكنني أن أعرّفهم باعتبارهم لي. هذه هي مشكلة اللغة التي نوهت لها أعلاه. ربما أكتب عن هذا الموضوع لاحقا.

*ملاحظة خاصة بالنسخة العربية:
إن كلمة knowledge باللغة الإنكليزية هي اسم للفعل know يعرف. أما الكلمة cognition فهي حديثة في اللغة الإنكليزية وهي تستخدم في علم النفس بمعنى العملية التي يتم بوساطتها تطوير المعرفة knowledge في العقل. ولأنه لا علم لي عن وجود تمييز بين معني المعرفة المقابلين لهذين الاسمين باللغة الإنكليزية ولأن كلمة cognition بوصفها عملية تحصيل غير مقنعة بالنسبة لي ولا تتوافق في المضمون الذي أريده، لذلك أستخدمت في النسخة العربية للنص كلمة معرفة لأشير إلى cognition واستخدمت المعرفة المحددة لأشير إلى مصطلح concrete cognition وأستخدمت المعرفة المستمرة لأشير إلى مصطلح continuous cognition وأخيراً استخدمت المعرفة العلمية لأشير إلى كلمة knowledge التي عرّفها قاموس أكسفورد بأنها المعلومات والحقائق. قد لا تكون هذه الاستخدامات دقيقة، فهي بحاجة غلى المزيد من البحث والتدقيق في المفهومات المستخدمة باللغة العربية في الفلسفة وعلم النفس، أو تكون المفهومات المستخدمة بحاجة إلى مراجعة وإعادة تأصيل. وخاصة بما يتعلق بالعلم والمنطق والعقل والمعرفة والتعرف والوعي…الخ.

Exploring Me

This text was written first in English.

WHO IS ANI?

I had five minutes before my English class. I turned on the T.V; Fox movies channel was showing “The Nanny Diaries” film, which I had watched a few years ago. Ani, the main character, is a fresh graduated girl looking for a job. “Who’s Ani” she was asked in an interview. “It’s a simple question!” Ani replied with a smile on her face, “I am..mm..” She continued. Then she felt lost “Ani is..!” she babbled; then Ani got surprised suddenly left the office.

In the classroom, I put aside what I had already prepared for the lesson, and wrote on the old-fashion black board “Who am I?”, then asked my students to answer this question.

I AM I!

I don’t really know who I am as I am. Although I can tell a lot about me, but it would be less than I know. These two gaps, between me and what I know about me, and between what I can tell and what I know about me, these two gaps are consequences of the nature of cognition, knowledge, mmd and language.

Anyway, what I can tell is: what I like, what I hate, how and where I have been grown up, what I do, the thought and beliefs of me, some of the characteristics and of course the basic information about me.

What I listed above are important for me, but they could become irrelevant to the question from the others’ points of view. Because I may tell others only what I consider is good, I may hide many things or even lie. Hence, the mostly care only about my behavior.

So, what might be important from all points of view when trying to answer the question “who am I?”? I think there are two sub-questions, “How do I explore me?” and “How do I know when the question has been answered?”

A PIECE OF WOOD IN AN OCEAN

Let me first tell you the best answer I’ve got in the class, “I am like a piece of wood in an ocean” Shaher said. He felt lost! It was the best answer because Shaher was almost the only student who had understood the question, and he did not pretend to be a man other than him. I told Shaher: Why don’t you like a ship in an ocean? So in spite of small waves, huge waves or even whirlwind, you will have some control and be able to redirect the ship.

Later on, at night, I thought about the ship and the ocean. The assumption says that the life is like the ocean. But, am I like the ship or the captain who dose control the ship? Oh again, the Descart Dualism! It hasn’t satisfied me in a day. All right, I could be the ship including the captain, or in another word, a self-controlled ship. But this makes the question “who am I?” worthless, because the ship is closed and limited, on contrary I am endless and open: so, am I like an open and enormously wide ocean? And is the ship like the willing interactive actions of me?

I have mentioned above, that the life is like the ocean, and now I’m saying that I am like the ocean! That could appear ambiguous. But is it possible to explore me without exploring the life or the world and vice versa at the same time?

A LOOK OVER COGNITION

When I explore me, I suppose that I will know me more. But it should be clear that what I get as a result is not knowledge (the noun of verb know), which means information and facts, what I get is cognition. I can distinguish two aspects of cognition, the concrete cognition and the continuous cognition.

The concrete cognition is obtained by mental processes, such as realization, understanding, comparing, analyzing, remembering, and so on. The actor is the senses and the mind of me. This aspect result in concrete and well-defined information and facts: knowledge.

The continuous cognition is obtained by practicing the life and the living experience, like I say “I don’t know, I just knew it” when someone asks me “how did you know this?” The actor is the whole I. This aspect results in wholeness, context or just an impression, depending on situation.

The concrete cognition is more specific, more accurate, more subjective and mostly can be mentally proved. It is like the dots (pixels) of a digital image. It is limited, closed, full of gaps and cannot satisfy our eagerness to know. On the other hand, the continuous cognition is more objective, ambiguous, not able to convince the mind, confusing, not assured and it could even be incorrect. It is like the content of the digital image which may refer to some idea or may include many layers of meanings. It is open, endless, expressing and continuous.

It is not either-or relationship between the both aspects, it is not a cognitional dualism. We cannot assume that the concrete cognition suits this, and the continuous cognition suits that. So we need to seek the both aspects simultaneously when seeking to know something or to be creative in doing something. The mind/body dualism, or any other dualism which says that everything has two separated or opposite parts, is no longer satisfying. The whole I’ should get involved in having the cognition, it is impossible to have it by only one aspect of I; the mind for example.

HOW DO I EXPLORE ME?

I need to obtain as much as possible of information and facts about the physical existence, social existence, internal life and mental activities of me, which is not isolated from the world in any mean. Sciences and logic are the correct sources of this concrete cognition. This way, I make sure that I am not sailing without the necessary and trusted tools.

I could have all the tools, but they would be useless and meaningless without a context, the contest of me, which is part of the world’s context. I have to get involved in me and in the life to find the context of me. In another world. I need to explore all possible tracks of the life, practice more faces of the life, live more experience, communicate more with people of different ages and kinds, watch everything carefully and contemplate at me and at the life. Thus, I make sure that I don’t lose touch with me while sailing.

Real life speaking: How could I know that I find me in physics, philosophy or music if I didn’t practice them? Also, I would feel more the beauty of a rose or a smile when I draw it, practice it. And would know more about me and life, when I grow up my kids, touch them, care for my parents, love my girl, help the disabled, get in touch with people and clear involve adventures: The living experience.

HOW DO I KNOW THAT THE QUESTION HAS BEEN ANSWERED?

So that, knowledge is the result of the concrete cognition, and wholeness or context is the result of the continuous cognition, what dose obtaining the both result in? It result in consistence, integration and harmony. Exactly! This is an answer to the second sub-question. The more I experience the inner consistence and harmony, and the more I integrate and harmonize with the life and the world, the more I know me.
I believe that I will never know me, but I will eventually know me more and seek for consistency, integration and harmony.
Note: As you may noticed, I didn’t use “my self”,”my mind” or any possessive adjective to define any aspect of me. The mind, thoughts, body… etc. are not out of me, so I cannot define them as mine. This is the problem of the language which I have mentioned above. I may write about it in more details later